سلام عليكم ورحمة الله وبركته
إعيد ارسالها ليس من باب الفخر وحسب ,,, بل من باب أنموذج جميل لنشر الثقافة السياسية الراقية, وفائدة المعاملة الحسنة ,وفقنا الله وإياكم لما يحبة ويرضاه .
كيف نجت منها السلطنة؟ / سلمان الدوسري
كيف نجت منها السلطنة؟
الشرق الاوسط اللندنية
سلمان الدوسري
بعد نحو ثلاثة أشهر تقريبا من خبوت الاحتجاجات التي شهدتها عمان، لا يملك المراقب إلا البحث عن الوصفة السحرية، إذا صح التعبير، التي اتبعتها السلطنة للخروج من أقسى أزمة في تاريخها الحديث، وبأقل الخسائر، مقارنة بما يسمى الربيع العربي». حقق المحتجون مطالبهم، أو جزءا منها. لم تراوغ الحكومة، أو تقمع مواطنيها، وخرج الجميع كاسبا من هذه الأزمة، فكانت حالة نادرة في خضم الأمواج المتلاطمة بالمحيط العربي.
عمان، تلك السلطنة الهادئة الحالمة على ضفاف الخليج العربي وبحر عمان، صحت فجأة على وقع احتجاجات غير مسبوقة. لأكثر من شهرين والشباب يملأون الميادين والساحات العامة. قطعت طرق رئيسية. توقفت الإمدادات من وإلى أهم موانئ البلاد. أثرت الاحتجاجات على تصدير النفط. وصلت الأمور إلى الأسوأ مع مقتل مجموعة من المحتجين إثر مواجهات عنيفة مع قوات الأمن. الغضب عمّ عددا من المدن العمانية، لكن كل هذا الغضب لم يقطع شعرة معاوية بين العمانيين وسلطانهم.
ما حدث أنه، وعلى الرغم من المطالب الإصلاحية والمعيشية التي رفعت، وكانت في معظمها مستحقة، لم يمس المحتجون هيبة الدولة. حافظوا على علاقتهم الخاصة مع السلطان قابوس بن سعيد، بل إنه حتى في وسط الغضب العارم وحالة الهيجان، كانت الشعارات تندد بالفساد وتطالب بإقالة الوزراء، وفي الوقت نفسه تؤكد على الولاء للسلطان. فأي احتجاجات شبيهة بما جرى في عمان؟!
السلطان بدوره، قابل احتجاجات العمانيين بحكمة نادرة هذه الأيام. تجاوب مع مطالبهم سريعا، ولم يتأخر كما فعل الآخرون. عزل 13 وزيرا، ووجه بإعطاء البرلمان صلاحيات تشريعية، ورقابية. وعد بحزمة إنفاق قيمتها 2.6 مليار دولار. قام برفع رواتب موظفي الحكومة وأصحاب المعاشات، فضلا عن تقديم إعانة بطالة قدرها 375 دولارا شهريا للعاطلين، بينما قالت الحكومة إنها ستوفر 50 ألف فرصة عمل في القطاع العام. خلال ثلاثة الأشهر الماضية لم يتم توظيف مجموعة كبرى من المواطنين العاطلين فحسب، بل حتى أولئك الذين كانوا يعملون في دول مجاورة، عادوا إلى بلادهم ووظائفهم في انتظارهم.
بعد انتهاء احتجاجات عمان، على خير، وعودة الأمور إلى طبيعتها السابقة، لا يمكننا إلا أن نقول: إن ما حدث هنا، يثبت مجددا أن الربيع العربي»، لا يمكن تطبيقه بنفس الحالة والصورة على جميع الدول الأخرى. فقد أكدت احتجاجات السلطنة أن لكل دولة مشاكلها، ومطالبها المختلفة عن الأخرى. من غير المنطقي مقارنة احتجاجات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا المطالبة بالتغيير، باحتجاجات المغرب وعمان، التي كانت إصلاحية ولم ترفع فيها لافتة واحدة تطالب بإسقاط النظام. كما لا يمكن مقارنة الحالتين السابقتين بالحالة البحرينية التي بدأت بمطالب إصلاحية سياسية، لتنتهي بمطلب إسقاط الملكية وتأسيس جمهورية إسلامية.
العمانيون أثبتوا فعلا أنهم أدرى بشؤون دنياهم». غضبوا واحتجوا وطالبوا وواجهوا قوات الأمن، لكنهم في نهاية المشوار حققوا مرادهم من دون أن يخلفوا جرحا غائرا، كما هي عادة هذه الاحتجاجات. العمانيون عندما احتجوا لم ينسوا الحفاظ على مكتسباتهم، فتقرير التنمية البشرية لعام 2010 الصادر عن الأمم المتحدة يشير إلى حصول السلطنة على المركز الأول من بين 135 دولة من حيث سرعة معدل التنمية البشرية خلال العقود الأربعة الماضية.
إذن، العمانيون وحدهم من كسب كثيرا وخسر قليلا من حركته الاحتجاجية. فطوبى للعمانيين وسلطانهم.. حضاريتهم في التعاطي مع الاحتجاجات التي كانت، هذه المرة فقط، نسخة مسجلة باسم العمانيين.. لا غير.
No comments:
Post a Comment