Saturday, April 25, 2009

لا فرق في الجوهر بين الشوري والديمقراطية

لا فرق في الجوهر بين الشوري والديمقراطية

 بقلم د. حسن نافعة    ٢٧/٤/٢٠٠٨

هل يختلف مفهوم «الشوري» في الفكر الإسلامي عن مفهوم «الديمقراطية» في الفكر الغربي؟

 وهل يمكن ترجمته إلي نظام سياسي واضح المعالم وقادر علي العمل وفق آليات منضبطة قابلة للتطبيق علي أرض الواقع؟

 لقد انشغلت النخب الفكرية العربية، ولا تزال، بهذه القضية، ولكن دون حسم واضح. ويبدو أن الحرص علي الخصوصية ـ وهي مسألة مهمة في حد ذاتها ـ دفع بالبعض إلي الاعتقاد بأن المحافظة عليها تتطلب أن يكون العرب مختلفين بالضرورة عن «الآخرين» في كل شيء.. وتلك مبالغة نظن أن ضررها أكبر بكثير من نفعها، خصوصا إذا صاحبتها قناعة بأن النظم السياسية في الديمقراطيات الغربية تتناقض صراحة مع تعاليم الإسلام.

من المعروف أن كلمة «الشوري» وردت في آيات قرآنية وفي أحاديث نبوية كثيرة.

 ولأن الإسلام لم يحدد شكلا معينا من أشكال الحكم، أو طريقة معينة ومفصلة لكيفية صنع القرارات المتعلقة بإدارة شؤون الدولة الإسلامية، فقد استقر رأي فريق من علماء المسلمين علي أن النظم السياسية الديمقراطية الراهنة، تقوم علي مفاهيم لا تتعارض بأي حال مع مفهوم الشوري والمفاهيم الإسلامية الأخري ذات الصلة،

 ولأن الإسلام دين شامل لا يفرق بين شؤون الدين وشؤون الدنيا، يجمع علماء المسلمين علي أن الحكم بما أنزل الله هو أولي وأهم مسؤوليات الحاكم،

 وقد وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تصف من لا يحكم بما أنزل الله بالكفر أو الفسوق أو الظلم، وهي آيات يفسرها علماء المسلمين بأنها تفرض الالتزام القطعي بتطبيق القواعد والأحكام التي ورد بشأنها نص صريح، وأجمع عليها علماء الأمة،

غير أن البعض توسع في تفسير مبدأ «الحاكمية لله» إلي حد الادعاء بأن علي الدولة الإسلامية مسؤولية إزالة أي تناقض بين القوانين الوضعية وأي قواعد أو أحكام ورد بشأنها نص صريح في القرآن الكريم، وإلا تعد «جاهلية».

ورغم استمرار احتدام الجدل حول هذه القضية في العالمين العربي والإسلامي، خاصة بين «العلمانيين» و«الإسلاميين»، فإن الإشكالية الأساسية التي تثيرها لا تكمن، في تقديري، حول مدي وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وإنما تكمن في تحديد الجهة التي يحق لها الفصل في مدي اتساق القوانين الوضعية المعمول بها أو القوانين التي يتعين استحداثها لمواكبة الحياة العصرية مع أحكام الشريعة الإسلامية.

 ورغم توافر ما يشبه الإجماع بين علماء المسلمين علي أن طاعة الحاكم ليست مطلقة ومشروطة بالتزامه بتعاليم الدين والعدل بين الناس، من منطلق أنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»،

فإن الاختلافات بينهم لا تزال محتدمة حول شروط الخروج علي الحاكم الظالم أو المستبد.

إن الفكر السياسي الإسلامي يميل إلي الاعتراف بحق الشعب ليس فقط في تنحية وإقالة حكامه، وإنما في تغيير نظامه السياسي أيضا وفي تشكيل المؤسسات التي تكفل العدالة مصداقا لقوله تعالي: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (النساء: ٥٨).

 وتلك مسألة بالغة الأهمية وترتب نتائج بعيدة المدى لأنها تعني أن من حق الشعب مراقبة حكامه وتقييم أدائهم وتصرفاتهم، وبالتالي تغييرهم إن هم حادوا عن الطريق المستقيم، الذي لا يمكن بطبيعته إلا أن يكون متسقا مع المصلحة العامة التي هي مقصد الشريعة الإسلامية وغايتها النهائية. وفي تقديري أن هذا الطرح يقترب كثيرا من جوهر الفلسفة الليبرالية التي تقوم علي فكرة أن الأمة مصدر السلطات.

وأخيرا يلاحظ أن «الخلافة» نظام، انفرد به العالم الإسلامي من الناحية العملية أو التطبيقية. غير أن القرآن الكريم لم يتضمن في الواقع أي نصوص قطعية توضح طريقة اختيار خليفة المسلمين، فضلا عن أن الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم يوص بشخص أو يحدد طريقة لاختيار من يخلفه، مما يدل دلالة قاطعة علي أن قضية الخلافة شأن سياسي في المقام الأول، وليست شأنا دينيا، وأمرها متروك ليقرره المسلمون بأنفسهم وفق ظروفهم وأوضاعهم الخاصة.

ويشير التراث الإسلامي إلي اختلاف طريقة اختيار الخليفة من مرحلة إلي أخري، حتي في زمن الخلفاء الراشدين.

فقد تم اختيار أول الخلفاء الراشدين، وهو أبو بكر الصديق، من خلال بيعتين: بيعة الخاصة أولا، أي بيعة أهل الحل، ثم بيعة العامة بعد ذلك، أي بيعة جمهور المسلمين.

أما ثاني الخلفاء الراشدين، وهو عمر بن الخطاب فقد عينه أبو بكر بعد التشاور مع أهل الحل والعقد.

وقد اختلف الأمر تماما بالنسبة لثالث الخلفاء الراشدين، حيث قام عمر بتشكيل مجلس من ستة أشخاص عهد إليه بمهمة ترشيح أحد أعضائه ليخلفه، وبعد أن انحصرت المنافسة بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب تم حسمها بالأغلبية لصالح عثمان.

وحين جاء الدور علي الخليفة الرابع بعد مقتل عثمان جرت مبايعة علي بن أبي طالب من خلال الشوري، غير أن البعض علق مبايعته علي شروط رفضها علي مما أثار جوا من الخلافات انتهي بفتنة كبري بعد دخول معاوية طرفا في حلبة المنافسة علي الخلافة ومطالبته بإسقاط علي. وبمقتل علي انتهي عصر الخلفاء الراشدين،

وتحولت الخلافة إلي ملك في عهد الأمويين، واستقر أمرها كنظام وراثي لكنها راحت تضعف تدريجيا، مع انتقالها من أسرة إلي أخري ومن عاصمة إلي أخري، رغم بقائها كرمز،

إلي أن آلت إلي آل عثمان، واستقرت في اسطنبول لعدة قرون قبل أن تنهار كليا عقب الحرب العالمية الثانية، حيث قام كمال أتاتورك بإلغائها رسميا عام ١٩٢٤.

ولأن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو الذي تولي بنفسه شؤون القيادة في مرحلتي الدعوة وتأسيس الدولة، ثم قاد الدولة بعد تبليغ الرسالة التي اكتملت بوفاته، فقد كان من الطبيعي أن يسند لمن يخلفه تولي مسؤولية إدارة شؤون الدولة وحراسة الدين، غير أنه يصعب تصور تمتع خليفته بنفس الصلاحيات وذلك لأسباب كثيرة وبديهية.

ويري بعض علماء المسلمين أن مبايعة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كانت هي التجسيد العملي لمبدأ «الأمة مصدر السلطات»، وتأكيدا علي حق الأمة في اختيار حاكمها، كما يري هؤلاء أن نظرية «العقد الاجتماعي» ما هي إلا تطبيق معاصر لنظام البيعة.

ومن الطبيعي حين يعترف للأمة بحقها في اختيار حاكمها وفق شروطها أن يكون لها حق مساءلته، وهناك آيات وأحاديث كثيرة تجعل من مقاومة الظلم واجبا شرعيا.

يقول خالد محمد خالد: «إن المفهوم الحديث للشوري التي زكاها الإسلام هو الديمقراطية البرلمانية، التي بها ينتخب الشعب نواباً عنه يمثلون إرادته ومشيئته، وهؤلاء النواب عندي هم أهل الحل والعقد». ونحن نتفق كليا مع هذا الرأي لأن النظام الديمقراطي يقوم علي مجموعة مبادئ وأسس لا يتعارض أي منها مع تعاليم الإسلام أهمها: المواطنة وحكم القانون والتعددية وتداول السلطة والفصل بين السلطات.

وتخوف البعض من أن يؤدي تبني الأسس والمقومات الديمقراطية إلي إلغاء خصوصية المجتمعات العربية والإسلامية، هو في تقديري تخوف لا أساس له وليس له ما يبرره علي الإطلاق.

فالنظم الديمقراطية مجرد آليات أو أطر تملؤها الشعوب والمجتمعات، وتمنحها الثقافات والحضارات مضامينها الحقيقية.

فنجاح الديمقراطية في الهند أو في اليابان أو في ماليزيا لم يضر بالخصوصية الثقافية لهذه البلاد، بل علي العكس كانت الديمقراطية وسيلة لتفعيل وتأكيد تلك الخصوصية. ولأن المسلمين موزعون علي كل أقطار الأرض فعليهم أن يدركوا أنهم يشكلون أغلبية في بعض الأقطار وأقلية في أقطار أخري، وبالتالي فإذا أرادوا أن تتمتع الأقليات المسلمة بحقوقها الأساسية في المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة فعليهم أن يقبلوا منح الأقليات غير المسلمة، في بلادهم حقوقها الأساسية. وفي تقديري أن الاستبداد، وليس الديمقراطية هو الذي يهدد الخصوصية الثقافية والحضارية للعالمين العربي والإسلامي علي الأمد الطويل.

 



--
        mohamed chehata  
           
http://groups.yahoo.com/group/awlea2allh/


--~--~---------~--~----~------------~-------~--~----~
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعات جوجل "بيانات و أخبار دورية من النور" مجموعة.
 لتقوم بارسال رسائل لهذه المجموعة ، قم بارسال بريد الكترونى الى bayanatalnor@googlegroups.com

-~----------~----~----~----~------~----~------~--~---

No comments:

Post a Comment