Wednesday, March 30, 2011

التحليل النفسي لأهم عقائد وطقوس التشيع (8)

التحليل النفسي لأهم عقائد وطقوس التشيع (8)

د. طه حامد الدليمي

17. النياحة ومراسيم العزاء الحسيني

من الطقوس المشهورة في فلكلور التشيع الفارسي مواكب اللطم بالأيدي على الوجه والصدر، وبالزناجيل على أعلى الظهر ووسطه، وتطبير الرأس بالآلات حادة كالحربة وما شابهها. وتراهم يؤدون هذه الطقوس العنيفة جماعياً؛ ما يزيد في عنفها ووحشيتها حتى تصل ببعضهم إلى الموت أو الإغماء! يترافق ذلك مع النياحة والبكاء والعويل… إلى آخر مراسيم عاشوراء.

هذا وسواه في الفلكلور الشيعي، ناشئ عن أكثر من عقدة نفسية فارسية: أولها العدوانية، ثم عقدة الاضطهاد، وعقدة الذنب.

 أ‌. العدوانية

أما العدوانية وعلاقتها بهذا الطقس الشيعي المتخلف ، فيمكن فهمها من خلال هذا التحليل العلمي للدكتور مصطفى حجازي:

(العدوانية تنخز وجود الإنسان المقهور عموماً. وتنخره أكثر فأكثر في العالم المتخلف. وهي عبء وتهديد للتوازن النفسي, ودافع للإقدام على العديد من تصرفات تدمير الذات. كما أنها, في الوقت نفسه, دفاع وانتفاضة ضد التهديدات التي تأتيه من الخارج…

عندما لا يتمكن الإنسان من تحمل مسؤولية عدوانيته المتراكمة، يحل المأزق الناتج عنها الذي يتهدد توازنه، بالمداورة تحت وطأة القمع المفروض عليه, والذي يخشى ردود فعله. يشيع العنف المقنع إذاً مع ازدياد حدة القمع المفروض من الخارج من ناحية, وازدياد إحساس الإنسان بالعجز عن التصدي له من ناحية ثانية.

والعنف المقنع قد يرتد على الذات متخذاً شكل السلوك الرضوخي والميول التدميرية الذاتية, أو هو يتوجه إلى الخارج على شكل مقاومة سلبية [1]

أما العدوانية المرتدة على الذات فلأنها لا تجد طريقها إلى الخارج إلا بشكل باهت وهزيل لا يساعد على تصريفها والتحرر من وطأتها داخلياً؛ ولذلك فهي ترتد إلى الذات, وتعنف بها وتقسو عليها وتنزل بها مختلف أشكال العنت وتسومها سوء العذاب. إنها وضعية الرضوخ في سيكولوجية الإنسان المقهور الذي يلوم نفسه, ويشتط في تبخيسها والحط من شأنها. إنه يحملها مسؤولية الفشل المصاحب لوضعية القهر, ويصل في ذلك حد التماهي بعدوان المتسلط الذي يغرس في ذهن الإنسان المقهور الدونية والتخلف والعجز والجهل. ويوهمه بأنه كائن منحط خلق هكذا وسيظل كذلك. ذلكم هو الكفر بالذات الذي يشيع في فترات الهزيمة والنكسات في المجتمع المتخلف: إننا لسنا جديرين بالحياة ولن يصدر عنا أي خير, لا نصلح لأي رفعة, ولا يحق لنا أن نحيط أنفسنا بأي اعتبار أو تقدير. وتصل الإدانة (النابعة من توجيه العدوانية إلى الذات المذنبة لتقصيرها وقصورها) حد النكاية بالنفس, وبالآخرين المشابهين لنا…

تتضمن هذه الإدانة للذات دفاعاً عنها بشكل خفي. فالإدانة الذاتية تظل أخف وطأة من إدانة الآخرين. وفي إدانة الذات والحط من شأنها نوع من التكفير عن الخطيئة الوجودية تجاه المصير, تتضمن ولا شك, بشكل كامن, الأمل في الغفران. فمن يدين ذاته يأمل في الحفاظ عليها من إدانة أشد وطأة. كما يأمل, في الوقت نفسه, في إثارة مشاعر صفح ضميره, وصفح الآخرين على حد سواء. وإدانة الذات بهذا الشكل وسيلة كارثية للسيطرة على الميول التدميرية المتصاعدة, التي تصاحب العدوانية المتراكمة والموجهة نحو الذات. من خلال هذه الإدانة (الجزئية والمرحلية دوماً) يفرغ العدوانية المتراكمة من التهديد بالاندثار الذي تتضمنه. فمن يجسد خطيئته في عقاب محدد ومحسوس, يأمن شر العقاب الجذري الغامض الذي يثير في لا وعيه عقدة الهجر والفناء. إذ أن الإنسان يخشى سوء العاقبة ما دامت لم تحدث بعد. أما وقد حدثت فإنه يطمئن إلى أنه لن يتعرض لما هو أسوأ منها)[2].

 ب‌. عقدة الاضطهاد

عقدة الاضطهاد المتغلغلة عميقاً في نفسية الفارسي، والتي انتقلت بالحث والعدوى إلى كل شيعي – جعلت الشيعة في شعور دائم بالظلم والغبن، وصبغت نفوسهم بالحزن والأسى، وعبأتها بالانفعالات المتأججة والمتحفزة للثورة في كل حين. وهل يمكن أن تتخيل شيعياً لا يلهج بأنه مظلوم، مضطهد، مستضعف، مغتصب الحقوق؟ هذا أحوجه إلى أن يفتش عما ينفس عن كربه وأحزانه، ويفجر الدموع مدرارة من عيونه وأجفانه، بما يسمى في مصطلح علم النفس بـ(التفريج أو التصريف Catharsis) ومعناه: (تفريغ الشحنة العاطفية ذات الطبيعة المؤلمة، من خلال وضعية يثار فيها الوجدان، وتنبعث الأحزان إلى درجة تزول معها الضوابط الواعية، في حالة من المشاركة بين الشخص الذي يعاني وآخرين يتعاطفون معه. يعقبه عادة ارتياح عام وعودة السكينة إلى النفس التي تنقاد للتعبير عن المعاناة أو المأساة بحرية تسمح بتصريف كل التوتر المتراكم. كالمشاركة الوجدانية في حالات الموت)؛ فكانت النياحة على (الحسين المظلوم) خير وسيلة مشرعنة لتحقيق ذلك. إنه في الظاهر يبكي على الحسين، لكنه في الحقيقة إنما يبكي على نفسه الحزينة إلى حد العقدة، التي ورثت الحزن من عقدة الاضطهاد الفارسية، التي لبست آثارها ثوب الدين لتظهر بالشكل المعلوم.

 ت‌. عقدة الذنب

وأما عقدة الذنب:فبعد أن انتقلت من الفرس إلى كل المجتمعات الشيعية جعلتهم يشعرون بالحاجة الماسة إلى عقوبة النفس وجلد الذات تكفيراً عن ذنوبها. فقد مر بنا أن المصاب بعقدة بالذنب يشعر بحاجة ملحة إلى التكفير - ولو بعقاب نفسه – التماساً للراحة، وتخففاً مما يكابده من توتر مجهول المصدر. وهكذا ترى أن من يعاني عقدة ذنب يندفع من تلقاء نفسه إلى عقاب نفسه، تدفعه حاجة لا شعورية ملحة إلى هذا النوع من العقاب. سواء كان هذا العقاب مادياً أو معنوياً، فإذا حل به العقاب زال عنه ما يغشاه من توتر أليم. فتظهر عقدة الذنب واضحة لدى الشيعي وهو يجلد نفسه ويلطم صدره ويشدخ رأسه إلى حد فقدان الوعي أو الموت تحت ذريعة خيالية هي حب الحسين! وكان أول طقس نياحي في تاريخ الإسلام يوم خرج الشيعة في مسيرة جماعية إلى قبر الحسين بعد مقتله بقليل وهم يبكون وينوحون على خذلانهم إياه يوم ورطوه فاستقدموه ثم تركوه فلم ينصروه حتى قتل هو وأصحابه وأهله، يقودهم سياسي محنك متعطش إلى السلطة هو الدجال المختار بن أبي عبيد الثقفي، ثم خرج بهم - بعد أن ارتووا من البكاء والعويل – للقتال أخذاً بثأر الحسين. وقد تم له ما أراد فقتل والي الكوفة عبيد الله بن زياد، وتولى الحكم بعده. لكنه - وكالعادة – لم يدم ملكه طويلاً. وقد عرفت حركته هذه بحركة (التوابين). فالشيعة - حين يبكون على الحسين ويجلدون أنفسهم و(يطبرون) رؤوسهم - لا يدرون أنهم مسيرون بعقدة الذنب التي تدفعهم لمعاقبة أنفسهم على ما اقترفوه من آثام واجترحوه من خطايا، ومنها أنهم كانوا السبب في مقتل الحسين يوم دعوه لينصروه لكنهم خذلوه وقتلوه. نعم! الشيعة لا يعلمون بواعيتهم (= العقل الواعي) أنهم كانوا السبب في قتل (إمامهم)، لكنهم يدركون أو يستشعرون بخافيّتهم (= العقل الباطن) أنهم هم الذين قتلوه، فالحسين قتله أهل الكوفة شيعة علي، لا يجادل في ذلك أحد، وإن كانوا بقيادة رجل من غيرهم؛ فهذا لا يبرر لهم أن يرتكبوا فعلاً بمستوى قتل (إمامهم). وقد استغل دجاجلة الفرس ذلك من أجل تحريك جموع الشيعة نحو وهم هو الأخذ بثأر الحسين! فتراهم على مر التاريخ يخرجون ليثيروا الفتن والحروب ضد أهل السنة بهذه الحجة الواهية محملين إياهم تبعة القتل، بواسطة حيلة (الإسقاط) النفسية، التي حولوا بها التبعة عن نفوسهم وألصقوها بغيرهم. وهذا – من ناحية أخرى - يخدم أغراض الفرس، ويمهد لتحقيق أهدافهم. وهكذا تجد أن هذا الطقس يصدر عن عقد فارسية، ويخدم أهدافاً فارسية.

وقد شهد على مثله شاهد من أهلها هو الدكتور علي شريعتي في كلام طويل نقتطف منه ما يلي: (من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الامبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطراً جدياً على أوربا. وقد وجد رجالات التشيع الصفوي أنه لا بد من توفير غطاء (شرعي) لهذا التضامن السياسي فعملوا على تقريب التشيع من المسيحية… ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوربا الشرقية - وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض - وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات. واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها لكي تصبح صالحة لاستخدامها في المناسبات الشيعية وبما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في إيران، ما أدى بالتالي إلى ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني ولا في الشعائر الدينية الإسلامية. ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أنْ يشخص أنّ هذه ليست سوى نسخة من تلك… إن الشيء الذي كانت تهدف إليه الصفوية من هذه الأعمال ليس سوى تأجيج المشاعر الصفوية غير المنضبطة عبر ممارسة تلك الطقوس التراجيدية وعلى النمط المسيحي لا على النمط الذي يرتئيه الدين الإسلامي الحنيف والذي يحرص على أن يكون كل عمل يزاوله الإنسان شيئاً هادفاً وله على الصعيد التربوي نتائج وثمار محددة)[3].

ثم قال في موضع آخر : (إن التشيع الصفوي هو في الأساس فرقة طائفية مناوئة للمجتمع المسلم وتقوم فلسفة وجوده على أساس بث الفتنة وزرع الاختلاف بين أعضاء الجسد الإسلامي الواحد، والانفصال عن الجسد الأم الكبير، وما وجد التشيع الصفوي إلا من أجل تحقيق هذا الغرض، ويؤيد هذا التصور أن التشيع الصفوي ظهر وتحالف مع القوى الصليبية والبرجوازية العدوانية في أوربا لضرب القوة الإسلامية التي كانت تتصدى لهم ولو باسم الامبراطورية العثمانية البغيضة، وقد كانت الضربة التي وجهها التشيع الصفوي بمثلبة طعنة في الظهر، تجلت على شكل لقاءات مشتركة بين السلاطين الصفويين وسلاطين أوربا الشرقية تمخضت عن اتفاقات ومخططات للقضاء على العدو المشترك للمسيحية الغربية والتشيع الصفوي والمتمثل آنذاك بالدولة العثمانية.

ومن هنا نرى أن مراسيم (التشبيه) وهي نسخة طبق الأصل من طقوس دينية يؤديها المسيحيون على خشبة المسرح، بدأت تتضمن لقطة جديدة يدخل في غضونها شخصية ترتدي الملابس الإفرنجية من السترة والبنطال وتنضم إلى معسكر الإمام الحسين وتقاتل معهم بحماسة واستبسال منقطعي النظير) إلى أن قال عن التشيع هذا: (هو تشيع يتعاطى مع كل العقائد والعقائد النبيلة المشار إليها بشكل مختلف ويحولها إلى أحقاد دفينة وضغائن سياسية وقومية وعداء بين العرب والترك والإيرانيين. ويحيل الاختلاف بين التشيع والتسنن الذي يعكس في واقعه الاختلاف بين إسلام الشعب وإسلام الحكومة، بين إسلام الرب وإسلام الأرباب، بين إسلام النبي وإسلام الخليفة المزعوم! يحيله إلى حقد أعمى بين السنة والشيعة، بين المجتمع السني الموجود الآن وبين المجتمع الشيعي الذي يعايشه، وبالتالي عمل على توظيف كل العواطف والعقد الشيعية في سبيل تحقيق أهدافه ومراميه المتمثلة بإقامة الدولة الصفوية)[4].

 

النيران والمشاعل

وقبل أن أنتهي من الموضوع أو تنبيه القارئ إلى النيران والمشاعل التي ترافق بكثافة هذه المراسيم والطقوس. وكل من شاهد مواكب النواح واللطم وضرب الزناجيل التي تظهر على الشاشة الإيرانية يرى بصورة لا يمكن أن تخطئها العين مشاهد النيران التي تؤجج في مواقد كبيرة هنا وهناك، والبرج الذي يرتفع في طرف ساحة المسيرة كيف تنبعث منه النار، والمشاعل التي يحملها الأشخاص المشاركون في المسيرة وكيف يحمل كل واحد منهم المشعل بيد ويلطم صدره باليد الأخرى! ومنهم من يحمل جوقة من المشاعل ويمشي بها بين القطيع! كذلك ليلة العاشر من محرم تحيى بإشعال النيران إلى الصباح. وليلة (المِحيا) - وهي ليلة الخامس عشر من شعبان من كل عام التي يعتقد الشيعة أنها ليلة مولد المهدي – أهم وأبرز طقس فيها إشعال النيران مع ترديد عبارة (مشعل يا دايم)! حتى تمثيلية (المقتل) تنتهي بإحراق الخيام بالنار والدوران حولها !!

وهذا كله يشير إلى العلاقة الواضحة بين الطقوس الشيعية الدينية والطقوس المجوسية الفارسية بصورة لا تقبل الشك، ولا تحتاج إلى التأكيد لدى كل من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مثل النكات، تخريب الممتلكات العامة، السرقة… الخ.

(2) التخلف الاجتماعي ، ص175-177.

(3) التشيع العلوي والتشيع الصفوي. مقتطفات من الصفحات: 206- 218، الدكتور علي شريعتي.

(4) أيضاً ، ص264،263.


--

قال أبو نواس في آخر عمره:

 

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم

   إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن الذي يدعو إليه المجرم

  أدعوك ربِّ كما أمرت تضرعا ً *** فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحم

مالي إليك وسيلة إلا الرجا *** وجميل ظني ثم أنِّي مسلم    


۩۞۩ مع تحيـــــ Ashraf Taha ـــــــاتي۩۞۩

--
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعات جوجل "بيانات و أخبار دورية من النور" مجموعة.
لتقوم بارسال رسائل لهذه المجموعة ، قم بارسال بريد الكترونى الى bayanatalnor@googlegroups.com

No comments:

Post a Comment